قد تكون الساحة السنية في لبنان، هي الأكثر ترقباً لتداعيات التحول الكبير الذي سُجل في الساحة السورية، الأمر الذي عُبر عنه من خلال تأييد الغالبية لهذا التحول، الذي قاد إلى خروج الرئيس السوري السابق بشار الأسد من السلطة، في مقابل تصدر هيئة "تحرير الشام" المشهد، بالرغم من المخاوف التي لدى العديد من الجهات الإقليمية المؤثرة، تحديداً السعودية والإمارات، من تصدر حركات الإسلام السياسي المشهد.
منذ خروج رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من الحياة السياسية اللبنانية، تعيش هذه الساحة على وقع البحث الدائم عن "القائد"، ما دفعها، بعد عملية "طوفان الأقصى"، إلى التعلق بقيادات حركة "حماس"، التي انتشرت صورها في العديد من المناطق، ما أثار مخاوف الكثير من الجهات المعنية.
في الوقت الراهن، ترتفع أسهم رئيس هيئة "تحرير الشام" أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، بحسب ما تشير مصادر متابعة عبر "النشرة"، بعد نجاح الأخير في السيطرة على القسم الأكبر من سوريا، خصوصاً مع ظل علامات الإنفتاح عليه من قبل أكثر من جهة إقليمية ودولية، بالرغم من أن حركته لا تزال مُصنفة من ضمن المنظمات الإرهابية، وتلفت إلى أن هذا يعني تنامي النفوذ التركي في لبنان، لا سيما في المناطق الشمالية، بحسب المؤشرات الحالية.
في هذا السياق، توضح هذه المصادر أن المشهد الفعلي، في الوقت الراهن، يكمن بأن من يريد الحديث مع الشرع، عليه المرور عبر بوابة أنقرة، صاحبة التأثير الأكبر على الرجل، وطالما أن لبنان يتأثر بالتحولات في محيطه، فمن الطبيعي توقع تعزز النفوذ التركي فيه، لكنها تلفت إلى أن هذا الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض، خصوصاً أن هناك جهات إقليمية أخرى مؤثرة في المشهد، سواء كان ذلك في بيروت أو دمشق.
من حيث المبدأ، يمكن الحديث عن دورين أساسيين: السعودي والإماراتي، على إعتبار أن أبو ظبي والرياض، بعد إنفتاحهما، في الفترة الماضية، على النظام السوري السابق، يسعيان، في الوقت الحالي، إلى أن يكونا شركاء في المرحلة الجديدة، الأمر الذي يتطلب تفاهماً مع الجانب التركي، الذي يحتاج إليهما من أجل توفير الدعم المالي، الذي تحتاج إليه أي سلطة جديدة في دمشق.
بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، هناك من يريد أن يدفع الساحة السنية إلى التماهي بشكل أكبر وأسرع مع الحدث السوري، لكن الأمر لا يمكن أن يتم بسهولة، بسبب الحاجة إلى فهم طبيعة تركيبة السلطة في دمشق، على إعتبار أنها قد تكون ساحة تعاون بين الجهات الإقليمية المذكورة، كما أنها قد تكون ساحة صراع فيما بينها، الأمر الذي يدفع، في كل حالة، إلى ترتيب مختلف عن الأخرى.
في الوقت الراهن، توضح هذه المصادر أن الجانبين الإماراتي والسعودي هما الأكثر تأثيراً على القيادات السياسية في الساحة السنية، لا سيما تلك التي تمتلك حضوراً في المجلس النيابي، لكن هذا لا يلغي حالة التماهي الشعبي مع النفوذ التركي، الأمر الذي يمكن البناء عليه في المستقبل، في حال كان لدى أنقرة رغبة في ذلك، وهو ما سيكون مرتبطاً، بشكل أساسي، بالتطورات السورية.
في المحصلة، تفتح المصادر نفسها الباب أمام سؤال كبير، يتعلق بإحتمال أن يكون العنوان الأبرز، في المستقبل القريب، هو عودة الحريري، على قاعدة أنه من الممكن أن يكون نقطة تلاقٍ بين مختلف الجهات الإقليمية، لا سيما أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع الجانبين الإماراتي والتركي، خصوصاً إذا ما كانت السعودية في وارد الإستمرار في سياسة عدم الإنخراط المباشر في الملف اللبناني، كما أنه قد يكون الخيار الإماراتي السعودي المفضل، في حال الرغبة بوجود شخصية قوية تحول دون تمدد نفوذ أنقرة أكثر.